الغد- قال الكاتب إدواردو غوميز في مقال نشرته مجلة “فورين أفيرز” الأميركية كما نقلت الجزيرة- إن مبيعات الأطعمة غير الصحية تراجعت بشكل كبير في الولايات المتحدة وأوروبا منذ بداية التسعينيات، بسبب زيادة الوعي بمخاطرها وزيادة تكاليف العمالة وتضاؤل القدرة الشرائية للطبقة الفقيرة، مما قاد الشركات المنتجة لتلك الأطعمة إلى البحث عن أسواق جديدة في البلدان النامية.
وذكر الكاتب أن الشركات الكبرى لا تستثمر أموالها في صناعة المواد الغذائية والمشروبات الغازية والوجبات الخفيفة في بلدان مثل المكسيك والبرازيل والهند وحسب، بل تبني تحالفات سياسية واجتماعية قادرة على تشتيت المعارضة السياسية وتجنب الرقابة العامة والأنظمة الصارمة المتعلقة ببيع منتجاتها.
وتعمل شركات مثل نستله وكوكاكولا عن قرب مع مسؤولي الرعاية الصحية في المكسيك لإنشاء برامج مبتكرة تتعلق بالصحة العامة، مثل برامج الوقاية من السمنة والسكري، وتساهم في عدة برامج لمكافحة الفقر والتنمية الاقتصادية والتي تدفع بعض السياسيين إلى مدها بقواعد الدعم السياسي.
أسواق جديدة
تمكنت شركات مثل نستله بفضل هذه السياسة من الوصول إلى المجتمعات بشكل مباشر، ونالت مبادراتها استحسان الفلاحين في البرازيل بسبب احتوائها برنامج توظيف بحوافز سخية، في حين وعدت شركة كوكاكولا بإقامة مبادرات في الرياضة والرعاية الصحية المجتمعية في المكسيك مما جعلها جزءا من الثقافة المحلية.
وأوضح الكاتب أن التحالفات التي تضع أسسها صناعات الوجبات الخفيفة والمشروبات الغازية ستكون لها عواقب وخيمة على السياسة في المستقبل، عبر ضغط الشركات على السياسيين المعنيين بتشديد اللوائح التي تحد من تسويق وبيع المنتجات الغذائية غير المرغوب فيها.
وبيّن الكاتب أن هذا الضغط يكون في وقت تزداد فيه نسبة إصابة الأطفال والفقراء في بلدان مثل المكسيك والبرازيل بأمراض السمنة والسكري.
وفي الوقت الذي شهدت فيه مبيعات الأطعمة غير الصحية والمشروبات الغازية تضاؤلا كبيرا في الدول الغربية، ازدادت مبيعات هذه المواد في الدول النامية، ففي سنة 2002 ارتفعت مبيعات الوجبات الخفيفة بنسبة 92% وتضاعفت مبيعات المشروبات الغازية أربع مرات.
الدول النامية
أرجع الكاتب سبب توجه هذه الشركات إلى الدول النامية إلى ازدياد الطبقة الوسطى فيها واستفادة الفقراء من برامج مكافحة الفقر وإنفاق أموالهم على المواد الغذائية غير الصحية، إلى جانب الدور الكبير الذي لعبته شبكة الإنترنت والدعاية الإلكترونية في السماح للشركات الأجنبية بنيل حصتها من هذه الأسواق بسرعة.
وأفادت هذه الشركات بأنها على استعداد لاستباق أي نوع من ردود الفعل التنظيمية والثقافية التي قد تؤثر على عمليات بيعها في أوروبا والولايات المتحدة، ويسعى مديرو هذه الشركات إلى تشكيل المشهد السياسي والاجتماعي لصالحهم من أجل تحقيق هذه الغاية.
وأصبحت المكسيك ساحة انطلاق مهمة لهذا النمط الجديد من الأعمال، وأنشأت شركة كوكاكولا شبكة قوية من العلاقات داخل الحكومة تتراوح بين الرؤساء وكبار مسؤولي الرعاية الصحية، في حين ذهبت شركة بيبسيكو إلى أبعد من ذلك وقامت برعاية بعض المبادرات التعليمية في البلاد لتحسين صورتها العامة، والتزمت شركة نستله بدعم الرئيس السابق إنريكي بينيا نييتو عن طريق رعاية برنامج حكومته لمكافحة الجوع.
ولا يقتصر استثمار صناعة المواد الغذائية على الحكومة المكسيكية فحسب، بل إنه توغل داخل مجتمعها أيضا حيث رعت شركة كوكاكولا الأحداث الرياضية وانضمت لشركات أخرى تقدم منحا سخية للباحثين الأكاديميين والمنظمات غير الحكومية.
ونظمت الشركة عروضا مبهرة من خلال الاتحاد المكسيكي لمرض السكري، أكد خلالها العلماء على ضرورة ممارسة الرياضة البدنية لتحسين النظام الغذائي، في وقت تكافح فيه المكسيك مرض السكري بعد ارتفاع معدلات السمنة من 10% إلى 35% في صفوف مواطنيها بين 1980 و2012.
البرازيل
وأورد الكاتب أن هناك توجها مماثلا في البرازيل حيث تتمتع شركة نستله بحضور قوي، وقد تعاونت خلال فترة حكم الرئيس لويس إيناسيو لولا دا سيلفا مع أعضاء مجلس النواب البرازيلي وعملت على تطوير برنامج الرئيس لمكافحة الجوع.
وتلقت شركة نستله في المقابل وابلا من المديح من طرف الرئيس البرازيلي، ومنحت عدة جوائز، وساعدتها الحكومة على إنشاء مصنع جديد في ولاية باهيا البرازيلية سنة 2007. ويقول الكاتب إن استثمار الشركة في مساعدة الفقراء لم يكن من أجل تحقيق فوز سياسي فحسب، بل ساهم في تحسين الصورة العامة للشركة وحماها من الانتقادات وضمن استمرار مبيعاتها.
وشهدت البرازيل -على غرار المكسيك- نمو معدلات السمنة بشكل مطرد، إذ ارتفعت من 15% إلى 18%ما بين 2010 و2014، بسبب النقص في ممارسة الرياضة والخيارات الغذائية السيئة وسهولة الوصول إلى الوجبات السريعة.
وحققت نستله نجاحا سياسيا مبهرا في الهند، وعقدت شراكة مع هيئة سلامة الأغذية والمعايير في البلاد لتدريب الهيئات المسؤولة عن إصدار التشريعات المتعلقة بالأغذية، في حين تعمل كوكاكولا مع الحكومات الهندية المحلية لتوفير خدمات الرعاية الصحية التي تتعلق باستهلاك منتجاتها.
ووافقت شركة كوكاكولا سابقا على شراء المزيد من الفاكهة من المزارعين الهنود لدعم حملة رئيس الوزراء ناريندرا مودي التي عرفت باسم “صنع في الهند”، وتهدف إلى وضع أسس قطاع زراعي مستقل ومزدهر لشركة بيبسيكو التي قدم مديرها التنفيذي إندرا نويي دعمه لناريندرا مودي لإنعاش القطاع الزراعي في البلاد.
تحالفات متتالية
وبين الكاتب أنه مع ارتفاع معدلات السمنة ومرض السكري من النوع الثاني في البلدان ذات الدخل المتوسط، ستؤدي الاستثمارات السياسية والاجتماعية التي تقوم بها صناعة الوجبات السريعة إلى تعقيد وعكس استعدادات حكومات هذه البلدان لفرض سياسات تنظيمية أكثر صرامة.
ونجحت شركات الوجبات السريعة في البرازيل بإقناع السياسيين بأن يسمحوا لها بتنظيم وتسويق وبيع منتجاتها الخاصة، حيث لم يسبق للبرلمان البرازيلي إصدار تنظيمات وتشريعات صارمة تعنى بمبيعات صناعة الوجبات السريعة أو مناقشة مسألة الضرائب المسلطة على المشروبات الغازية بشكل جدي.
وقال الكاتب إن حكومة رئيس الوزراء الهندي مودي تعتبر شركات نستله وكوكاكولا وبيبسيكو ضرورية وذات دور حيوي في تنمية الزراعة، واعتبر أن دلهي تمتلك دافعا ضئيلا للحد من تسويق وبيع منتجات هذه الشركات بشكل فعال.
وتنظر حكومة مودي في الوقت الحالي في إمكانية فرض ضرائب على قطاع الوجبات السريعة، لكنها تخشى مواجهة رد فعل عنيف من الشركات المعنية.
وخلص الكاتب إلى القول إن حكومات المكسيك والبرازيل والهند اعترفت بحاجتها إلى تحسين الصحة العامة، غير أنها ستكون بحاجة إلى وضع حد للعلاقة المتينة بين صناعة الأطعمة غير الصحية في المجتمع المدني والحكومة حتى تكون قادرة على تحقيق هذا الهدف.
The post “دعهم يأكلوا الوجبات السريعة”.. ماذا تفعل شركات الطعام الكبرى بالدول النامية؟ appeared first on Alghad.
إقرأ المزيد
0 التعليقات
إرسال تعليق